فعل كَتَبَ

كَتَب، كُتِب، كِتاب، الكِتاب، كُتِب عليكم، كُتِب عليهم، كلّ شيء أحصيناه كتابا، كان ذلك في الكتاب مسطورا… كلّ هذه العبارات لها معاني دقيقة جدّا وجب علينا فهمها لفهم كتاب اللّه.

فعل كَتَب :

يعتبر فعل “كتب” من أدقّ وأخطر الأفعال التي جاءت في المصحف لما يحمله من معانٍ ومضامين كثيرة، وفهمه بطريقة صحيحة يجعلنا نتدبّر ويخرجنا من مآزق متعدّدة نضع أنفسنا فيها بدون علم.

يشرح معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد أبن فارِس أبن زكَرِيّا فعل كتب كما يلي: “(كتب) الكاف والتاء والباء أصلٌ صحيح واحد يدلّ على جمع شيءٍ إلى شيءٍ. من ذلك الكتَِابُ والكتابة“.

بذلك نفهم أن فعل  “كتبَ” في اللسان العربي يعني جمع أشياء بعضها مع بعض لإخراج معنى مفيد، أو موضوع متكامل ومن هنا نفهم أنه إذا أردنا دراسة شيء ما في كتاب الله علينا جمع كل الآيات المتعلقة به ومن ثم دراستها فنجد كتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب الصوم وكتاب الربا وكتاب الزواج وكتاب الطلاق وكتاب نقل الثروة من جيل إلى جيل …الخ، ومن هنا نفهم قوله تعالى في سورة البيّنة: “رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ(3)“.

وكذلك أعمال الإنسان كلها كتب، ككتاب النوم وكتاب الطعام وكتاب العمل. والعلماء يبحثون في الكتب فمثلا إذا أرادوا القضاء على مرض ما نجدهم يجمعون كل المعلومات الممكنة المتعلقة به ومن ثم دراستها… فأي شيء في هذا الكون تجتمع الشروط الموضوعية التي تؤدي إليه في كتاب وجب علينا دراسته للقضاء فيه.

و وضع الله تعالى قوانين الكون من حياة وموت وليل ونهار وصحة ومرض وغنى وفقر وغيرها، كل في كتاب “مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ(الحديد 22)، “وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً(آل عمران 145) ، “لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ(الرعد 38) … وترك لنا دراسة هذه الكتب والقضاء فيها لنتمكن من السير قدماً.

فالواقع الحتمي لأي حدث لا بد أن يسبقه كتاب هذا الحدث، وما يصيبنا في حياتنا لا يخرج عما وضعه الله تعالى من قوانين، أي لن نمرض بمرض خارج عما هو موجود في كوكبنا، ولن يحدث معنا ما يفاجىء الله تعالى أو ما هو خارج عن علمه بالموجودات، وبهذا المعنى نفهم قوله تعالى “مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(الحديد 22 – 23).

فالله بريء من كل المآسي التي يعيشها الإنسان وما هي إلاّ النتيجة الحتميّة للشروط الموضوعية التي تؤدي إليها والتي وجب علينا دراستها والتمعّن في كتبها. فهنالك ملايين الإحتمالات لتصرفاتنا وإرادة الإنسان ضمن الظروف التي يعيشها، هي التي تحدد أحد الإحتمالات الممكنة، والله يسجل علينا ذلك ويجازينا به، وهنا يظهر مفهوم الخطأ والصواب والطاعة والمعصية.